تشغل أخبار حوادث الانتحار في الجزائر بال المواطنين في البلاد، بينما تواجه البلاد أزمة سياسية واقتصادية خانقة، فاقمها وباء فيروس كورونا، والإغلاق الذي فرضته مواجهته.
وبعد أن تناقلت وسائل إعلام محلية أخبارا عن أربعة انتحارات في أسبوع بمدينة قسنطينة (شرق) وحدها، كشفت صحيفة النهار أن رجال الحماية المدنية أحبطوا السبت، محاولة انتحار في ولاية تندوف (جنوب).
وقالت الصحيفة إن الشاب الذي حاول الانتحار، أربعيني، وقد هدد بإضرام النار في جسده، قبل أن تتدخل قوات الحماية المدنية، وتسيطر عليه.
المركز الرابع عربيا
اللافت أن معدلات الانتحار في الجزائر التي احتلت المركز الرابع في ترتيب الدول العربية وفقا للتقرير الذي أعدته منظمة الصحة العاليمة في 2019 “لا يزال في ارتفاع” وفق الباحث في علم الاجتماع، راتبي محد أمين.
وفي اتصال مع موقع “الحرة” كشف محمد أمين أن الأرقام التي يتم تداولها عن الانتحار قد تصدم كثيرين إذا تمت إضافة “ضحايا الهجرة غير الشرعية عبر البحر” والتي يعتبرها “انتحارا مُقنّعا” وفق تعبيره.
وزارة الصحة الجزائرية، دقت ناقوس الخطر قبل نحو عامين بإعلانها أن الجزائر تحصي سنويا من 500 إلى 600 حالة انتحار، وهو ما يجعل من الظاهرة “أخطر من وباء كورونا” وفق طبيب الصحة النفسية بمستشفى سطيف الجامعي، عمار بن حليمة.
بن حليمة قال إنه بالرغم من أن وباء كورونا حصد الكثير من الأرواح بالجزائر، على غرار كثير من الدول، إلا أن مصيره الزوال، بزوال أسبابه، أو بتعميم التطعيم “بينما أسباب الانتحار لا تزال قائمة وبالتالي فالظاهرة أخطر”.
البطالة وأزمة السكن
في هذا الصدد، تشير أبحاث ميدانية رصدت وحللت ظاهرة الانتحار بالجزائر، بأن الضغوط الاجتماعية وعلى رأسها المعاناة من البطالة وتراجع فرص العيش الكريم من بين أهم الأسباب التي تدفع بالشباب للانتحار.
وإذ تؤكد منظمة الصحة العالمية بأن فئة الشباب من الرجال هي الأكثر عرضة للانتحار في الجزائر، أصبحت الفتيات خلال السنوات الأخيرة، تشكل نسبة “معتبرة” من أرقام الانتحار التي تعدها وزارة الصحة دوريا.
ويقول، راتبي محمد أمين، إن السبب وراء ارتفاع نسبة الشباب المنتحرين في الجزائر ترجع للضغوط الاجتماعية، وقال إن البطالة وأزمة السكن ثم الأزمات النفسية تعد أكثر الأسباب وراء الانتحار، ولفت في سياق حديثه إلى تراجع أخبار الانتحار خلال بداية الحراك الشعبي الذي انطلق في 2019، قبل أن تعاود الظاهرة عناوين الصحف خلال الأشهر الأخير.
ويفسر ذلك بالقول إن الحراك الشعبي الذي أوقف مشروع ولاية خامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وتسبب في اعتقال العديد من الوزراء والمسؤولين الفاسدين “بث روحا إيجابية في أوساط الشباب”، لكن تلك الروح “سرعان ما تراجعت عندما أصر النظام على تهميش الكفاءات من الشباب وترشيح شيوخ لمناصب عليا”، وفق تعبيره.
يُذكر أن السلطة “الجديدة” بالجزائر أكدت في أكثر من مناسبة “سعيها للقطيعة مع الممارسات السابقة”، ونيتها إعطاء فضاء أكبر للشباب للمساهمة في بناء مؤسسات الدولة، لكن أغلب الفاعلين في الساحة الآن سبق وأن عملوا مع نظام بوتفليقة السابق لسنوات، وهو “ما بث إحساسا باليأس المرير لدى شباب الجزائر” وفق محمد أمين.
“إحباطات متكررة“
وشهر فبراير الماضي، انتخب أعضاء مجلس الأمة الجزائري بالأغلبية المطلقة، صالح قوجيل رئيسا للمجلس، ليصبح ثاني أهم شخصية في الدولة بعد رئيس الجمهورية وهو الذي يبلغ من العمر 90 عاما، وقد تسبب ذلك في غليان شعبي غير مسبوق، خلال المظاهرات الأسبوعية التي تشهدها شوارع الجزائر منذ 2019.
عمار بن حليمة، الأخصائي في الصحة النفسية، أكد من جانبه أن تفاقم الإحباطات الاجتماعية- النفسية المتكررة، زادت من حوادث الانتحار.
وكشف أن إقناع الشباب على العدول عن فكرة الانتحار “أصبح أكثر صعوبة من اي وقت مضى” بالنظر إلى عوال الإحباط المحيطة.
وقال إن الإغلاق الذي فرضته مواجهة وباء كورونا “زاد من وقع الإحباط العام” وجعل من “مأمورية بث الأمل أصعب علينا”.
الباحث في علم الاجتماع راتبي محد أمين، لفت من جانبه، إلى أن أكثر الطرق التي يحاول بها الشباب الانتحار الآن هي “إضرام النار في الذات” وهي علامة بالنسبة له تدل على أن السبب وراء القرار “اجتماعي بالدرجة الأولى”.
وكشف أن دراسة جارية وصلت إلى نتائج أولية مفادها بأن الانتحار بحرق الذات من أبرز الترجمات عن الواقع المرير بينما الانتحار بالأدوية أو إلقاء الذات من جسر عالي يعود لاضطرابات نفسية حادة وتجارب شخصية.
وأكد في السياق بأن أعلى معدلات الانتحار لأسباب اجتماعية، بحسب الدراسة، التي لم تنشر بعد، أعلى بكثير من الأسباب النفسية، وقال إن على “السلطات التحرك بسرعة لبعث سياسة واضحة لمواجهة الظاهرة”.
اشترك الآن ليصلك كل جديد الأخبار والمواضيع على بريدك
اترك تعليقاً