fbpx

الخميس 9 شوال 1445هـ - 18 أبريل، 2024

أنقرة وصناعة الإرهاب.. من هنا مر التطرف للدول العربية

img

رغم وصول حزبه العدالة والتنمية الحاكم إلى السلطة في تركيا عام 2002، فإنه مع حالة الاضطراب غير المسبوقة التي شهدتها عدد من البلدان العربية، على وقع موجات الاحتجاج الواسعة التي انطلقت عام 2011، عزف الرئيس التركي وحكومته على الوترين الديني والقومي في تبرير تحركاته من دعم واحتضان جماعة الإخوان المسلمينـ المصنفة تنظيما إرهابيا، في عدد من دول الشرق الأوسط، وعبر تسهيل انتقال المتطرفين إلى الجبهتين السورية والعراقية حيث حوّل تركيا إلى نقطة ترانزيت للإرهاب العابر للحدود وصولا إلى رعاية جماعات إرهابية بينها أفرع للقاعدة وتنظيم “داعش”، مستثمرا في أزمات المنطقة لصناعة إرهاب وتوظيف تلك الورقة في صراعات النفوذ والتمدد من جهة، وفي ابتزاز الحلفاء والشركاء مع كل موجة توتر في العلاقات من أخرى.

ففي الحالة السورية، على الرغم من العلاقة الودية التي جمعت بين النظامين التركي والسوري قبل اندلاع الأزمة السورية، فإن أنقرة عمدت إلى دعم التنظيمات الإرهابية داخل أراضي الأخيرة، حيث وجدت تلك التنظيمات في الصراع السوري ساحة لتنشط وتتمدد بها.  كما وجدت في دعم النظام التركي لها الحاضنة التي مكنتها من الصمود والاستمرار.

وبحسب ما كتبته، صحيفة “جمهوربيت” التركية، نقلا عن القنصل التركي في الموصل ما كتبه إلى وزارة خارجية بلاده في سبتمبر (أيلول) 2014، فإنه نبه مع بداية تمدد تنظيم “داعش” في العراق، أثناء تلك الفترة من أن الأوضاع في المدينة تتجه إلى الاسوأ، ولكن جواب الخارجية شكل مفاجأة بقوله “إن داعش ليس خصماً لنا”.

بجانب ذلك، كشفت الأقمار الصناعية لوزارة الدفاع الروسية عام 2015، أن هناك علاقة وثيقة تربط بين نظام الرئيس أردوغان وتنظيم داعش، معتمدة بنسبة كبيرة على تسهيل تركيا تصدير النفط التي تصدره داعش إبان سيطرتها على منشآت نفطية داخل سوريا حيث أظهرت الصور طابوراً من الشاحنات محملة بالنفط من داخل تلك المنشآت أثناء توجهها إلى الحدود التركية.

وفي 11 سبتمبر (أيلول) 2019، كتب الرئيس السابق لما يعرف بجهاز مكافحة الإرهاب في تركيا “أحمد يايلا”، في وثائق نشرها موقع “ذا انفستجيتف جورنال” المتخصص في شؤون الإرهاب، صحة ما تم إعلانه في عام 2016 عن قيام صهر الرئيس التركي ألبيرت ألبيراق، المدير التنفيذي لشركة “باورترانس”، بتهريب النفط الذي سيطر عليه داعش إلى تركيا، وقيام أنقرة بإرسال إمدادات إلى التنظيم المتطرف سهلت دخول التنظيم إلى سوريا. ناهيك عما أفادت به عدة تقارير استقبال أنقرة الإرهابيين الأجانب، وتسهيل مرورهم إلى المناطق الحدودية مع سوريا، فضلا عن توفير العلاج لجرحى ومصابي التنظيم في مرحلة تكثيف الضغط العسكري عليه.

وبحسب تقرير لوكالة المخابرات الأميركية، نشر في فبراير (شباط) من العام الماضي، فإن العمليات العسكرية التى شنتها أنقرة في الشمال السوري منذ أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2019، بهدف الفضاء على الأكراد، سمحت ووفرت غطاء لمئات من عائلات مسلحي داعش وسجنائه للفرار من المخيمات أو السجون التي تسيطر عليها القوات الكردية. كما أنها سمحت لبقايا التنظيم تكثيف هجماته بنحو 20% بعد غزو تركيا لـشمال سوريا العام الماضي.

لم يقتصر الأمر عن حد داعش في سوريا والعراق، بل لعبت تركيا كذلك، دورا واضحا في تسليح “جبهة النصرة” الفصيل الموالي لتنظيم القاعدة في سوريا، والتي تحولت بعد ذلك إلى “هيئة تحرير الشام”، إذ كشفت تقارير دولية عن إشراف المخابرات تركية على إرسال شحنات أسلحة لتنظيم “جبهة النصرة”، وقد قُدّرت المخابرات الفرنسية،  تلك الشحنات في الفترة من أواخر 2011 حتى مارس (آذار) 2014، لتبلغ 2000 شحنة، مشيرة إلى أنه مثّل دعما سخيا من قبل النظام التركي.

وفي ليبيا، بعد سنوات من الدعم الخفي للميليشات والجماعات المتطرفة في العرب السوري، تبلور الدعم في شكله الصريح والمعلن منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، مع إبرام رئيس حكومة طرابلس فايز السراجوالرئيس التركي مذكرتي تفاهم من شقين، الأول خاص بتعيين الحدود البحرية، ينتهك حقوق دول الجوار، والثاني يتعلق بالمسائل الأمنية والعسكرية، ما مهد لوجود تركي عسكري على الأراضي الليبية، وبفضل المذكرة الأخيرة، بدأت أنقرة في إرسال الإرهابين إلى ليبيا لدعم حكومة السراج في مواجهته الجيش الوطني الليبي.

وفي تقرير أعدته صحيفة “الغارديان” البريطانية أوائل العام الماضي، كشفت فيه أن الحكومة التركية أرسلت نحو 2000 إرهابي سوري لطرابلس برواتب شهرية تدفعها حكومة الوفاق تصل لـ2000 دولار. وتتضمن الأعداد التي أرسلتها تركيا إلى ليبيا، خليطا من المرتزقة ينتمون إلى كيانات إرهابية عدة.

كذلك أعلن موقع “نورديكمونيتور” السويدي، عبر وثائق استخباراتية مسربة، أن هناك روابط بين “حكومة أردوغان وبين قادة تنظيم القاعدة تعود لعام 2012، وأن نقل المسلحين بين سوريا وليبيا هو أمر اعتاد النظام التركي على المشاركة فيه.

وقبيل الدعم الصريح العسكري التركي إلى الجماعات والميليشيات ونقل المتطرفين إلى الغرب الليبي، كانت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة قالت في تقرير بتاريخ 23 فبراير (شباط) 2015، أن أنقرة متهمة بدعم الإرهاب في ليبيا، خاصة ميليشيات فجر ليبيا، مشيرة إلى إمداد تركيا للمتطرفين بالسلاح عبر الموانئ الجوية والبحرية.

وبحسب المركز الأوروبى لمكافحة التطرف، ومقره ستوكهولم، فإن النظام التركى تعمد بالفعل ممارسة التضليل المعلوماتى للعدد الفعلى لعناصر داعش الموجودين على الأراضى التركية توطئة للدفع بهم فى مهام جديدة تخدم خطط أردوغانفى السيطرة على الشرق الأوسط وإرهاب حلفائه الغربيين فى حلف شمال الأطلنطي. ويؤكد التقرير، أن نسبة لا تتعدى 10% من منتسبىداعش الموجودين فى تركيا هم بالفعل “سجناء حقيقيون” ربما لقيامهم بارتكاب أعمال تخريبية ضد تركيا سواء فى داخلها أو فى مناطق نفوذها فى سوريا، إلا أنه ووفق المركز ذاته، ففي أواخر عام 2018 أفرجت تركيا عن 1354 من مقاتلىداعش من أصل 5500 داعشى اعترف الرئيس التركىفى العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) 2018، بوجودهم فى معتقلات تركية نصفهم من غير العرب وأنه ينوى ترحيلهم إلى دولهم،

وبالإضافة لدعم “الجماعة المتطرفة المسلحة” تقول تقارير الاستخبارات الغربية أن أنقرة تدعم بشكل مستتر في ليبيا، وجميعها مدرج تحت بند التنظيمات الإرهابية المعاقبة وقياداتها، أبرزها “جبهة الصمود الليبية” و”الجماعة الإسلامية المقاتلة”.

ولم يقتصر الأمر على المنطقة العربية والشرق أوسطية، بل امتد التلاعب التركي بورقة الإرهاب لاستفزاز القوي الغربية وتحديدا الأوروبية، مع تهديده المستمر وتلويحه بإغراق أوروبا بالمهاجرين، مهددا في الوقت ذاته بإطلاق إرهابييداعشعلى حدودها، ورحّل بالفعل العشرات منهم إلى بلدانهم الأصلية في ذروة التوتر مع الاتحاد الأوروبي على خلفية انتقاده لهجومه على أكراد سوريا في خلال العامين الأخيرين.

كما تلعب السياسية التركية دورا في دعم الإرهاب والتطرف في القارة الأفريقية لا سيما في منطقة القرن الأفريقي، حيث تستغل أنقرة تدهور الأوضاع في تلك المنطقة، وبعد افتتاح قاعدة عسكرية لها في الصومال، ذكر موقع “نورديكمونيتور”، التابع لشبكة الشمال للأبحاث والرصد المتخصصة في تتبع الحركات المتطرفة،أن تركيا ترتكن إلى دعم التنظيمات الإرهابية في الصومال. وبعد أن اكتشفت الولايات المتحدة الأميركية عملية تحويل الأموال من الاستخبارات التركية إلى “حركة الشباب الصومالية” الانفصالية لاستخدام تلك الحركة كورقة ضغط على الحكومة الصومالية والقوى الدولية الفاعلة في الصومال، ما يمهد لاستغلال مقدرات الدولة الصومالية، إذ إن هناك تقديرات تفيد بوجود مخزون هائل من النفط والغاز في المياه الإقليمية للصومال.

وإجمالا وعلى وقع التاريخ الطويل لأنقرة في دعم التطرف والإرهاب وجماعته، تصدرت تركيا وفق موقع المشروع الاستقصائي حول الإرهاب “اي بي تي”،الدول الداعمة المتطرفة في المنطقة. وذكر الموقع، وهو مجموعة بحثية أسسها الباحث الأميركي المتخصص في شؤون الإرهاب ستيفن إيمرسونعام 1995، إن دعم الإرهاب بالنسبة لتركيا يتعاظم كلما زادت الأزمات الداخلية والتحديات لدى نظام الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه الحاكم، ما ينعكس على زيادتتدخلاته العدوانية في المنطقة.

ويقول إبراهيم عبد الحميد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن التدخلات العسكرية التركية ودعم التطرف والإرهاب في المنطقة، يأتي بالأساس لصرف النظر علن الأزمات السياسية والاقتصادية المتعاظمة في الداخل التركي، مضيفا: “ليس من المقبول أو من مبادئ حسن الجوار أن تتدخل تركيا لإسقاط الأنظمة في دول المنطقة، أو تتحالف مع أحزاب الإسلام السياسي، مثل الإخوان المسلمين، لتغيير الأنظمة في دول عربية أخرى”.

بدوره يرى الباحث الليبي في العلاقات الدولية، محمد صالح جبريل، أن تركيا سعت مع بداية أحداث الاحتجاجات العربية للتوغل في المنطقة على حساب قضايا ومستقبل مواطنيها، موضحا أن أنقرةلعبت على استخدام تلك الأزمات بهدف صناعة جماعات لها قوة سياسية وعسكرية للسيطرة على سلطة القرار في دول المنطقة.

img
الادمن

العدسة

اترك تعليقاً

العلامات

المنشورات ذات الصلة