fbpx

الجمعة 19 رمضان 1445هـ - 29 مارس، 2024

من خلال قناة إسطنبول.. هل ينجح أردوغان في دفن “اتفاقية مونترو” دون الإعلان عن موتها؟

img

مع تصاعد الجدل المحلي والدولي حول مستقبل اتفاقية مونترو الناظمة لعمل المضائق المائية التركية بالتزامن مع اقتراب البدء بإنشاء قناة إسطنبول المشروع الاستراتيجي المثير للجدل والأكبر في تركيا، اضطر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتأكيد على أن “مشروع قناة إسطنبول ليس له علاقة من قريب أو بعيد باتفاقية مونترو”.

لكن هذا النفي وإن كان قاطعاً من ناحية نفي وجود نية تركية لإنهاء العمل باتفاقية مونترو، إلا إنه لا ينفي على الإطلاق أن مشروع القناة بحد ذاته هو “مسمار في نعش الاتفاقية” إن صح التعبير، وإنه يحمل في طياته أيضاً رسالة أعمق وأهم وهي أن اتفاقية مونترو تتعلق فقط بمضيقي البوسفور والدردنيل ولا تنطبق على قناة إسطنبول التي وافقت الحكومة التركية على خططتها النهائية ويتوقع أن يبدأ الحفر بها الصيف المقبل.

وعلى الرغم من أن اتفاقية مونترو التي وقع عليها عام 1936 كان يفترض أن تنتهي فترة العمل بها عام 1956 كونها حددت فترة التعهد ببنودها لمدة 20 عاماً، لكن عدم تقدم أي طرف من الموقعين عليها وخاصة تركيا وروسيا بأي طلب لتعديلها أو إلغائها استمر العمل بها ضمنياً منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.

وبالتالي فإن الخروج من الاتفاقية لا يرتبط بضوابط قانونية أو تعهدات دولية مُقيدة، بل بات الأمر يتعلق بموازين القوى الدولية والإرادة السياسية لاتخاذ قرار استراتيجي بهذا الحجم يحمل في طياته الكثير من الحسابات السياسية والعسكرية والاقتصادية وهي حسابات لا يبدو أن تركيا مستعدة لها في الوقت الحالي، ولا يعتقد أن أنقرة تعمل بالفعل من أجل التمهيد لإعلان علني قاطع بإنهاء العمل بالاتفاقية.

لكن في المقابل، يبدو مشروع قناة إسطنبول وكأنه محاولة للالتفاف على الاتفاقية بطريقة أخرى وذلك من خلال إضعافها والتحايل على ضوابطها وإفراغها من مضمونها ولو جزئياً بطريقة غبر مباشرة، وذلك في ظل صعوبة اتخاذ خطوة كبيرة بحجم إنهاء العمل باتفاقية مونترو لما يحمله ذلك من حسابات خطيرة مع روسيا وتوازنات دولية معقدة لا تمتلك أنقرة الإرادة والمقومات السياسية لخوضها في الوقت الحالي.

ويفهم ضمنياً من تصريحات أردوغان التي أكد فيها التزام بلاده باتفاقية مونترو محاولة حثيثة للتفريق بين الالتزام بالاتفاقية ومشروع قناة إسطنبول، والتشديد على أن مشروع القناة ليس له أي علاقة بالاتفاقية، ورغم ان المعنى الظاهر يحمل فكرة التأكيد على الالتزام ببنود الاتفاق، إلا أن ما يفهم من هذه الرسالة أعمق من ذلك ويمكن فهمه بمعنى آخر هو “اتفاقية مونترو ملزمة لنا في مضيقي البوسفور والدردنيل لكنها لن تكون ملزمة لنا في قناة إسطنبول على الإطلاق”.

والأربعاء، قال أردوغان: “مشروع قناة إسطنبول لا علاقة له باتفاقية مونترو من قريب أو بعيد، فمونترو اتفاقية متعلقة بمضيق البوسفور.. سننجز مشروعاً يساهم في تعزيز سيادتنا واستقلالنا بشكل كامل”، وأضاف: “قناة كهذه بعيدة كل البعد عن اتفاقية مونترو، ستوفر لإسطنبول مزيدا من الرفاهية والراحة”.

في السياق ذاته، أكد وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، الخميس، أن “تركيا تطبق اتفاقية مونترو حرفيًا، وينبغي ألا يكون لدى روسيا أو غيرها أي مخاوف حيال ذلك”، وشدد على أن القواعد والقيود واضحة، والعبور من المضائق يجري ضمن هذا الإطار، مؤكدا مرة أخرى أن مشروع “قناة إسطنبول لا ينتهك اتفاقية مونترو”.

هذه التصريحات المبنية على قاعدة التفريق بين مونترو وقناة إسطنبول تكشف الخط السياسي الذي اختارته تركيا لتهدئة مخاوف روسيا والعالم من وجود ربط مباشر بين القناة والاتفاقية، لكنها تفتح الباب واسعاً أمام التساؤلات عن الطريقة التي ستشغل من خلالها تركيا قناة إسطنبول وتضمن جني عوائد اقتصادية من المشروع المتوقع أن يكلف أكثر من 70 مليار ليرة تركية.

على الرغم من عدم وجود أي تصريحات رسمية في هذا الإطار، إلا أن الكثير من الجوانب يمكن فهمها من المبررات التي ساقتها الحكومة لتقنع الشارع التركي بأهمية قناة إسطنبول والتي كان أولها حماية مضيق البوسفور من الازدحام والمخاطر البيئية وجني مكاسب اقتصادية.

ولتحقيق هذا الهدف، يعتقد أن الحكومة التركية ستلجأ تدريجياً لمنع مرور أي سفن تحمل مواد خطرة أو مواد كيميائية ولاحقاً أي سفن تحمل نفط وغاز ومشتقات الوقود المختلفة من مضيق البوسفور تحت مبرر حماية مضيق البوسفور من المخاطر البيئية ومنع حصول كوارث طبيعية.

إلى جانب ذلك، ربما تلجأ الحكومة التركية لتحديد عدد السفن التي يسمح لها يومياً بالعبور من البوسفور، حيث يفترض أن يمر سنوياً 25 ألف سفينة فقط من مضيق البوسفور، ولكن بسبب الضغط والطلب الكبير يمر أكثر من 50 ألف سفينة سنوياً، ولجوء تركيا لتحديد عدد السفن قد يدفع أكثر من 25 ألف سفينة سنوياً للتفكير بالعبور عبر قناة إسطنبول، وإلا سيكون الخيار الآخر هو الانتظار لفترة طويلة جداً في البحر لتكون بذلك تكاليف العبور من قناة إسطنبول أقل من تكلفة الانتظار في عرض البحر وهي عملية تعارضها تركيا أيضاً وتقول إن منظر السفن المتكدسة تشوه مشهد السواحل التركية وإنها ستعمل على معالجة الأمر ما يعني أن خيار الانتظار سيكون أصعب أيضاً في ذلك الوقت.

هذه الخيارات وغيرها التي تتمحور حول الترغيب بصيغة شبه اجبارية يعتقد أنها ستدفع لتحريك العمل في قناة إسطنبول المدفوعة على حساب المرور من مضيق البوسفور المجاني، وستكون بمثابة أداة الحكومة التركية للتحايل على بنود اتفاقية مونترو بشكل تدريجي ودون أي إعلان يتعلق بالخروج من الاتفاقية أو وقف العمل بها، لكن فرض واقع قناة إسطنبول والتغييرات المتوقعة ربما يدفع نحو انفتاح كافة الأطراف وخاصة روسيا على التفاوض على تعديل مونترو أو التوقيع على اتفاقية جديدة تأخذ بعين الاعتبار متطلبات روسيا العسكرية وطموحات تركيا الاقتصادية.

وفي حين تبدو الحلول أسهل في الجانب الاقتصادي، يبقى الجانب العسكري هو الأخطر والأكثر حساسية بالنسبة لروسيا والغرب، حيث لا يعتقد في المرحلة الأولى ان تكون تركيا معنية بتغيير الوضع في البحر الأسود أو إغضاب روسيا وستعمل قدر الإمكان على الحفاظ على الوضع القائم إلا أنها ستبقى ورقة قوية في يد تركيا لتبدي الأخيرة تعاوناً أكبر معها للحفاظ على الاستقرار في البحر الأسود مع الأخذ بعين الاعتبار أن مونترو تبقى حاكمة للمرور عبر مضيق الدردنيل أيضاً ما يجعل من تغيير الوضع العسكري أكثر صعوبة أمام إمكانية تغيير الوضع الاقتصادي من خلال قناة إسطنبول.

  • العلامات :
  • لا يوجد علامات لهذا المقال.
img
الادمن

العدسة

اترك تعليقاً

العلامات

المنشورات ذات الصلة